كيوبيد والحب.. سيمفونية الانفصال والوصال

كتبت – علياء عصام الدين

منذ الأزل ضربت سهام الحب بني البشر، حفظ التاريخ لنا ما حفظ من قصص الحب والهيام وقصص أخرى غابت ولم تذكر.

إن ما تختزنه ذاكرة الحكايا التي تدور حول العشق والهوى لا بد أن ترتبط باللوعة والألم فتأتي التيمة الأساسية التي تجعل من الحب قصة لا تنسى تحفر حروفها بقوة على أحجار الزمن فتصبح قصصًا عابرة للمكان والزمان.

أحب روميو جولييت بجنون لكن عائلتيهما حالتا دون اكتمال هذا الحب باللقاء، الأمر الذي أبقى حبهما حيًا في وجداننا بعد مماتهما.

لقد هام قيس بليلى ولولا أنه تغزل بها ما رفض أباها زواجه، فزوجوها بغيره وهام على وجهه في البراراي إلى أن وُجد ملقىً بين الأحجار وهو ميت.

وأغرم جميل ببثينة فحُرم منها وتزوجت من آخر، وكان هذا سر استمرار حبهما ووصول أخبارهما إلينا.

وها هو “كيوبيد” في الميثولوجيا الرومانية ابن الإلهة “فينوس” حامل السهم  الطفل الملاك ،شديد الجمال لم يمنعه كونه رمزًا للحب من مكابدته فسقط في عشق “بسايكي” وخاف من غضب امه وأخفى حبه عنها ليظل رمزًا للحب.

إنها رحلة الانفصال والبحث عن النصف الآخر، أنه الحرمان والشغف الذي سرعان ما ينتهي على أعتاب الواقع في حالات الحب الطبيعية التي يلتقي فيها المحبين، فينسل الحب متسرسبًا ليترك المكان لحالة وجدانية هادئة بنبضات خافتة لا يحضر فيها الحب إلا كذكرى.

هنا تختفي السكرة الأولى للذة الانفصال الذي يتوق للاكتمال لتحل محلها الفكرة ويستيقظ الوجدان على حالة الاكتمال التي اسدلت بدورها الستار على ملحمة كتب لها أن لا تكتمل.

وفي الميثولوجيا اليونانية يقول “أرسطوفان” في مأدبة أفلاطون، أن البشر كانوا مخلوقات قوية مستديرة برأس واحد ووجهين تتدحرج بقوة وطمحت في يوم من الأيام أن ترتقي للسماء لمحاربة الآلهة، الأمر الذي دفع زيوس إلى معاقبتها بأن شطرها نصفين بقصد إضعاف قوتها.

وشعرت الأنصاف المشطورة بالحنين فأخذ كل نصف يبحث عن نصفه الآخر وما إن يجده حتى كانا يرتمي في أحضانه ويعانقه بشده قبل أن يطلب زيوس من أبولو خياطة تلك الأنصاف مع بعضها البعض.

لم تكن عقوبة زيوس في البتر بل في الوعي الذي نشأ بعد البتر، الوعي بالحب ووقوع كل نصف في حبّ نصفه الآخر الذي لم يكن قبل عملية الفصل تلك مُدرَكاً بوصفه عشيقاً ولو للحظةٍ واحدة.

فالحب ابن مشترك للحاجة والغنى، فقير دائمًا وغني أبدًا، ولد في يوم ميلاد آلهة الخصب والجمال “أفروديت” ليصبح محبًا للجمال ينام تحت النجوم وفي الأزقة والشوارع، ساحر سوفسطائي لا هو خالد ولا فان مزدهر وحي ميت ليولد من جديد .

فالحب حسب أفلاطون يتراوح بين الإشباع والعوز، الفقر والغنى، إنه الميت الحي والغائب الحاضر المتأرجح المتشرد الضائع القلق الذي لا يستطيع العيش في البيوت الهادئة وما إن استقر حتى فر حافيًا من النافذة وانسحب في غفله المحبين إذ لا مكان له إلا في الوحدة .

وبعيدًا عن قصص الحب وأخبار المحبين التي يعج بها تراثنا العربي، يظل للحب جانبه الفلسفي الذي قل ما يطرح في خضم الاكتفاء بالهوامش والابتعاد عن الأصول.

الحب بوصفه ظاهرة إنسانية وقيمة وخبرة بشرية بما يحويه من صراع وتوتر ومشاعر متناقضة لا يعني شيئًا لأنه في الحقيقة يعني كل شئ .

ما المشكلة إن لم يكتمل أو يكلل بالنجاح أنه ملحمة إنسانية يخوض غمارها سعيد الحظ، فكثيرًا ما يموت المرء وهو لم يذق بعد حلاوة الحب.

إن الباحث عن الحقيقة لا بد أن يستوقفه “الحب” ليتفكر في معناه يعانيه يعايشه ليندمج في تفاصيله ويحاول لمس جوهره فهو الأكثر عذوبة والأكثر مرارة”.

ففي الحب من العقل الكثير ومن القلب الأكثر هو معزوفة موسيقية عذبة تتناغم فيها الأجزاء على تضادها في جسد واحد وروح خالصة هو امرأة ورجل وحرمان.

الحب ليس مجموعة العواطف والأحاسيس والنزوات إنه “الفعل “في حد ذاته وليس مجرد انفعال، هو الحق والصدق الخير والحياة، هو ذلك المشرد القلق المتحرك النابض الذي يعبث في الخفاء هو من الألف إلى الياء في أبجدية الوجود.

ربما يعجبك أيضا