“الثأر بصعيد مصر”.. “بحور دم” في حضرة الدولة

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر

القاهرة – يعاني صعيد مصر منذ مئات السنين من انتشار ظاهرة الثأر بين ربوعه، والذي أسفر عن مقتل آلاف من الأشخاص وتشرد المئات من الأهالي، وانتشار ظواهر العنف والسلاح بين أفراد أبناء الجنوب، إضافة إلى اتخاذه أشكال عدة في الأونة الأخيرة كان من بينها محاولة إذلال الضحية بدلا من قتله.

“بداية الثأر”

بدأ انتشار ظاهرة الثأر في صعيد مصر، بعد انتقال عدد من القبائل اليمنية المهاجرة إلى مصر آبان الغزو الإسلامي، حيث لم يعرف المجتمع قبلها “الثأر” أو يسجل التاريخ أي واقعة تدل على ذلك.

ويعد من أهم أسباب انتشار ظاهرة “الثأر”، اقتناء السلاح المتأصلة لدى قبائل وعائلات الصعيد ، فالصعيدي يضع البندقية في منزلة الإبن، وغالباً ما لا تفارق كتفه إلا عند النوم، ولا يفكر في بيعها مهما بلغت ضائقته المالية، إضافة إلى أن معظمهم فيما فوق العشر أعوام يجيدون استخدام السلاح.

وضع “الصعايدة” لـ”الثأر” قانونا خاصا بهم، فالقاعدة الأساسية لهم “أن القبر أضيق من الزنزانة” في إشارة إلى رفضهم لأحكام القضاء على قتلة أحد من ذويهم، فيعتبرون أن حق الدولة غير حقهم، وقانونها غير قانونهم، كما وضعوا له ضوابط عدة، لعل أهمها أن “الأبناء هم الأحق بالثأر لدم أبيهم، ثم الأخوة الأشقاء وصولا إلى الأخوة غير الأشقاء، كما أنه إذا لم يكن للقتيل أبناء أو أخوة، فالأحق بالثأر لأبناء العمومة الأشقاء ثم غير الأشقاء، ولا يلزم بالدم سوى الأقارب من ناحية الأب فقط”.

ويعتبر أهالي الصعيد أن الثأر لا يسقط بـ”التقادم”، مهما مر الزمان، حتى لو ظل القاتل سنوات طويلة مختفياً أو خلف القضبان، فروي أن جدة أصرت على الثأر لولدها رغم مرور خمسين عاماً على مقتله، قضى القاتل نصفها في السجن، وحفزت حفيدها على القصاص لوالده.

“أبرز المحافظات”

تعتبر محافظات “أسيوط وسوهاج وقنا والمنيا وبني سويف” الأكثر في انتشار حالات الثأر بين قبائلها، والتي خلفت وراءها آلاف القتلى، لعل أبرزها حادثة الثأر لعائلات العسيرات بأبنوب بمحافظة أسيوط، والتي سجلت رقما قياسياً بلغ حوالي 200 قتيل منذ بداية الخصومة في عام 1950.

وتتصدر محافظة أسيوط القائمة، حيث ذكرت دراسة لوزارة الداخلية عام 2003 إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص خلال 20عاما، أبشعها جريمة مصرع أسرة كاملة من عائلة الشوافع على أيدي مجموعة من عائلة أولاد عمر، تربصوا بهم خلال عودتهم من حقل زفاف، انتقاما لمقتل أحد أفراد عائلتهم.

ويعد “عبد الفتاح .ع”، محافظ الجيزة الأسبق أبرز ضحايا الثأر فى مصر، والذي قتل داخل سيارته عام 1982 بنحو 72 طلقة، نتيجة ثأر بين عائلته وعائلة أخرى، ولم تتقبل أسرته العزاء طيلة أربع سنوات، حتى تدخل شيخ الأزهر، ووزير الثقافة السابق للوساطة بين الطرفين، واضطر وزير الداخلية وقتها إلى إصدار أوامر اعتقال لأكبر عدد من أفراد العائلتين ومصادرة سلاحهما.

“أسباب الانتشار”

وأرجع عدد من الباحثين انتشار ظاهرة الثأر في صعيد مصر، إلى عدة عوامل من بينها، وجود الروابط العائلية الكبيرة التي ينتمي إليها الفرد بصورة عميقة بالعادات والتقاليد، فضلا عن التعصب لأفراد العائلة أوالقبيلة، واعتبار مقتل أحد أفرادها أو الاعتداء عليهم نوع من التقليل من قوة العائلة ورجالها واحترام الناس لهم.

وأوضح باحثون أن العزلة الاجتماعية لأبناء الجنوب وقلة الاهتمام السياسي والاقتصادي والثقافي بهم، وانتشار الجهل والفقر وضعف الإمكانيات المقدمة لهم، وانتشار ظواهر العنف والسلاح بدون رقابة حكومية قوية للحد من ذلك، أكثر الأسباب لانتشار ظاهرة الثأر واستمراره لقرون عدة.

وذكر باحثون أن ضعف الإدارة الحكومية في تلك المناطق ولجوئها إلى العشيرة لحل الأزمات وعقد الجلسات العرفية التي أثبتت أنها لا تحد من الظاهرة، فضلا عن أنها لا تقضي على المشكلة بل تسكنها لبضع سنوات، ضاعف من استمرار حالات الثأر، علاوة على عدم وجود الدور القضائي القوي لإنهاء أي أزمة، واعتبار أن الجلسات العرفية بديلة عنه.

“أشكال جديدة للعنف”

كانت حالات الثأر قديمًا لا تنطبق أبدًا على النساء، إلا أن دراسة اجتماعية جديدة صادرة عن مؤسسة “ميدان الجنوب للتنمية والإعلام”، أوضحت أن “الثأر” أخذ منحنى جديد، مثل: “قتل قتل النساء، وحلق الشوارب والتجريس”.

وقالت الدراسة إن صعيد مصر، شهد للمرة الأولى، مقتل وإصابة 4 نساء في حادث ثأري، وقع بقرية “الحجيرات” بمحافظة قنا، في يونيو الماضي، بالمخالفة للأعراف والتقاليد قبلية تحذر من قتل النساء في حوادث الثأر، إضافة إلى أن “أشكال الثأر تعددت في السنوات الأخيرة وباتت أقرب إلى مشاهد السينما”، ومن “التجريس”، فضلا إلى اختطاف “الضحية” وقطع عضوه الذكر، علاوة على ابتكار قرية المحروسة بمحافظة قنا وسيلة جديدة وطريفة للثأر، وذلك بحلق شوارب وحواجب وذقون ورؤوس خصومهم بدلًا من قتلهم.

“حلول مطروحة”

وأكدت عدد من الدراسات أن القضاء على ظاهرة الثأر يحتاج إلى اتباع عدد من الخطوات، تبدأ من تعزيز الوازع الديني لدى الأفراد، وبيان أن “الثأر” ليس “القصاص” المذكور في القران، علاوة على أداء الدولة لواجبهاتها تجاه المجتمع من خلال نشر الوعي بين أبناء الجنوب، وتعزيز الخدمات المقدمة لهم، لتمكينهم من الاستطلاع على ثقافات مختلفة.

وأوضحت الدراسات أن الأجهزة الأمنية يجب أن يكون لها دور حيوي في مواجهة الأزمة من خلال تعزيز دورها في القضاء على ظاهرة انتشار السلاح في الصعيد، وتفعيل دور الأجهزة القضائية، وتمكينها من أداء واجباتها ومهامها بعيدا عن الضغوط القبلية والسياسية.
ودعت الدراسات إلى توقيع أقصى العقوبات على من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم حتى يكون عبرة لغيرة، وعدم الارتكان إلى الجلسات العرفية، علاوة على نشر العدالة في الريف المصري من خلال عدم التهميش الاعلامى له والاهتمامبمشاكله والعمل على سرعة حلها

ربما يعجبك أيضا