الصومال.. تأجيل الانتخابات يهدد بتكريس الأزمات

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

منذ عشر سنوات تشهد الصومال لأول مرة واقعا سياسيًا متأزمًا أفضى إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية رغم انتهاء الولاية الدستورية للرئيس التاسع لجمهورية الصومال الفيدرالية، عبدالله فرماجو في الثامن من فبراير الماضي، في ظل غياب التوافق بين الرئاسة والمعارضة، وهو ما ينعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد.

الجمود السياسي الذي تعيشه الصومال، دفع المجتمع الدولي إلى الضغط على القادة الصوماليين من أجل انعقاد اجتماع تشاوري لحل الخلافات حول الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، والتي يخيم عليها أجواء التهديد باستخدام العنف، وهو ما يجعل تأمينها تحديا كبيرا بالنسبة إلى الحكومة.

مؤتمر حالان

أمام هذا المشهد القاتم، حثت واشنطن الصومال على إجراء الانتخابات فورا لكسر الجمود السياسي الذي يهدد البلاد بمزيد من الاضطرابات، مع التأكيد على دعمها حق المواطنين الصوماليين في الاحتجاج السلمي ورفضها استخدام العنف من قبل أي طرف.

مؤتمر «حالان» مثّل أولى الخطوات للإصلاح في الصومال وعقد انتخابات نزيهة برعاية أممية ومباركة أمريكية، ولذلك يحاول فرماجو – بحسب معارضين – إفساده وعدم تنفيذ شروطه، ما يقوض استمرار عدم الاستقرار والأمن والازدهار في الصومال.

غياب الدور الأمريكي في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، عن المشهد الصومالي، والذي تكلل بسحب جنود بلاده من الصومال، على عكس نهج باراك أوباما في محاربة خركة الشباب، الأمر الذي يتوقع أن يتواصل في عهد الرئيس الحالي جو بايدن، من خلال التدخل المحدود لكبح جماح حركة الشباب وتنامي نفوذ تنظيم داعش، مستغلا حالة عدم الاستقرار في الجارة الإثيوبية. لذا يتوقع مراقبون أن يشهد مسار الانتخابات الصومالية هذه المرة، تدخلات إقليمية ودولية أقل، مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة.

أبرز نقاط الخلاف

يعزي مراقبون استمرار الأزمة لوجود نقاط خلافية بين الرئيس فرماجو ورؤساء الأقاليم الصومالية إلى جانب رؤساء السابقين ومرشحين محتملين لخوض الانتخابات الرئاسية.

وتعد أبرز النقاط الخلافية بين الطرفين، عدم ثقة المعارضة بلجنة الانتخابات الوطنية التي عيّنتها الحكومة، والتي تراها موالية لأجهزة الدولة الأمنية؛ ما دفع اتحاد المرشحين لإصدار بيانًا يدعو فيه إلى حلّ اللجنة، ويهدد بإجراء انتخابات موازية للانتخابات الوطنية.

من البنود الخلافية كذلك، مقاعد صوماليلاند (وهو كيان منفصل عن الصومال)، حيث تقترح الحكومة إجراء انتخابات في مقديشو، تجمع السياسيين المنحدرين من صوماليلاند المقيمين في العاصمة. لكن الخلاف بين المعارضة والحكومة هو كيفية اختيار مندوبي صوماليلاند؛ فالمعارضة ترى أن الحكومة تريد تنصيب موالين لها، وأعضاء في الحكومة، ليختاروا ممثلي صوماليلاند في البرلمان، بمجلسيه، وعددهم 57 عضوًا، وسيكون لديهم بعدئذ دور حاسم في تحديد هوية المرشح الفائز.

إقليم غدو هو الآخر يبرز كنقطة خلافية جوهرية، وهو خلاف أدى إلى مواجهة عسكرية في الإقليم، وتتركز نقطة الخلاف في أن الحكومة تريد إبقاء المقاعد الـ 16 في مدينة غربهاري التي تسيطر عليها، في حين يرفض قادة الإقليم ذلك ما لم تُنقل سلطة المدينة إليهم. ومن المحتمل أن يتطور الوضع، في ظل إصرار رئيس الإقليم، أحمد مادوبي، على مغادرة القوات الفيدرالية، ورفض الحكومة الاتحادية ذلك، وهي أوضاع قد تقود إلى اتساع المواجهات بين الطرفين.

MAIN Somalia 476598

الدور التركي

منذ عام 2002 توسع تركيا من مشاريعها واتفاقياتها مع الصومال لتدشن في النهاية أكبر قاعدة عسكرية خارجية لها وأكبر سفارة لها في العاصمة مقديشو، وأخيراً قررت دفع ديون مقديشو للبنك الدولي ما طرح تساؤلات حول الأهداف الخفية للأتراك في الصومال!

وتسبب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أزمة سياسية خانقة تهدد بالعودة إلى مربع الحرب الأهلية في الصومال، إثر الدعم التركي للرئيس المنتهية ولايته عبدالله فرماجو، ليواصل الدور التركي «التخريبي» في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي.

فطنت المعارضة الصومالية لتغلغل تركيا داخل مفاصل الدولة الصومالية، لترسل رسالة لتركيا مفادها: لا ترسلوا شحنة أسلحة إلى وحدة خاصة بالشرطة حتى لا يستخدمها الرئيس في خطف الانتخابات.

من بوابة المساعدات الإنسانية والطبية، انتقلت تركيا إلى مجالات حيوية حيث حصلت أنقرة على عقود لبناء الطرق وتطوير الموانئ والمطارات، فضلا عن تدريب الجيش الصومالي منذ 2017.

أمام هذا الانقسام الواضح في الشارع الصومالي، والأجواء السياسية المشحونة بين أطراف الأزمة، تبدو فرص التوصل لحل «بعيدة» على المدى القريب، وهو ما يفرض على الشركاء الدوليين الضغط على السلطات الفيدرالية وسلطات الولايات لوضع آليات واضحة لتسوية الخلافات المحتملة، خاصة وأن استمرار هذا الوضع يجعل البلاد تعيش فراغا دستوريا، ومن ثم تفجر الوضع مجددا، وتنامي نفوذ الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ومخاوف حرب أهلية قد تلوح في الأفق.. فهل يخيب الصوماليون هذه الشكوك بالعمل على التوصل إلى حل عاجل لمشكلة المقاعد المتنازع عليها في إقليم غدو، والاتفاق على طريقة اختيار ممثلي صوماليلاند، ووضع جدول انتخابي جديد، يمكن من خلاله إجراء انتخابات توافقية نزيهة وشفافة في وقت قصير، حتى لا تغرق البلاد في الفوضى؟

ربما يعجبك أيضا