«مبارزة القرن».. هل بدأت المعركة الدبلوماسية بين واشنطن وبكين؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

من طريق الحرير إلى طريق الدبلوماسية العابرة للحدود، التنين الصيني لم يعد حذرا في الشرق الأوسط.. ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن عدم السماح للصين بـ«قيادة العالم»، يزور وزير الخارجية الصيني، الشرق الأوسط في جولة واحدة جمعت الأضداد تضمنت 6 دول بينها 4 عربية يطرح خلالها مبادرة تتعلق بالنزاع العربي الإسرائيلي، وتوقيع اتفاقية مع إيران.

من الرياض إلى طهران مرورا بمسقط وأبوظبي والمنامة، روج الوزير الصيني لدبلوماسية بلاده ولقاحات كورونا ولوصفات بلاده لحل أزمات المنطقة غير القليلة. زار أيضا أنقرة القريبة من الملفات المتداخلة في الشرق الأوسط.. كل هذه الجولات في توقيت مليء بالتساؤلات والتجاذبات وبعد قمة صينية روسية كلها رسائل غير مشفرة إلى الولايات المتحدة.

الحرير

خارطة طريق بكين

لم يعد الحضور الاقتصادي القوي يشبع شهية الصينيين هذه الأيام. فعين بكين على دور دبلوماسي في منطقة كانت الولايات المتحدة ولعقود طويلة هي من تحتكر دور البطولة في قضاياها وأزماتها.

تمضي بكين واثقة الخطى حتى بعد التوقيع على الاتفاق الشامل مع طهران، اتفاق أغضب خصوم إيران الإقليميين والغربيين، فعلى ماذا تراهن الصين لكسب معركة أخرى في حرب باردة غير معلنة رسميا مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ ربما على تذبذب الدبلوماسية الأمريكية تارة، وتسرعها تارة أخرى، منذ سنوات أوباما إلى بايدن.

من غير الواضح إن كانت أجندة الصين في الشرق الأوسط ضمن تقاسم للأدوار مع موسكو ضد الغرب، أم إنها خارطة طريق بكين وحدها. فهل يناسب الحرير الصيني مناخ المنطقة وملفاتها الساخنة ؟

الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران والصين، بمثابة خارطة طريق جديدة بين البلدين وتدخل في صلب مشروع الحرير، إذ وضعت بكين طهران ركيزة أساسية بديلة عن العراق في مشروع الفاو. الاتفاقية بحسب خبراء هي أول خطوة علنية من بكين لمواجهة أمريكا، وسيكون لها تداعيات كبرى مؤثرة على خريطة التحالفات في المنطقة.

تنامي الحضور الصيني، قابله تراجع للدور الأمريكي، حيث كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، وجّه البنتاجون بالشروع في سحب بعض القوات العسكرية الأمريكية والعتاد من منطقة الخليج، في محاولة لإعادة تنظيم القوات الأمريكية عبر العالم، بعيدا عن الشرق الأوسط. وأفادت الصحيفة أن الولايات المتحدة، سحبت ما لا يقل عن ثلاث بطاريات باتريوت مضادة للصواريخ من منطقة الخليج.

مبارزة القرن

مع تولي بايدن مقاليد السلطة في الولايات المتحدة، حددت إدارته تحديات الأمن القومي للسنوات الأربع المقبلة، مع الاعتراف بأن الصين، هي المنافس الوحيد القادر على تشكيل تحد مستدام لنظام دولي مستقر.

ليس أدل على ذلك من أن اسم الصين ذكر 18 مرة في استراتيجيته حول مواجهة الصين والتحالف ضد الصين وتهديد الصين وحتى التعاون مع الصين، بينما ذكرت روسيا 6 مرات والشرق الأوسط أربع مرات، وهو ما يشير إلى أن المرحلة المقبلة، مرحلة الصين بدون منازع.

بحسب واشنطن، فإن سلوك بكين بات مهددا للمصالح والقيم الأمريكية، متوعدة بالرد على سلوك بكين ومواجهة ممارساتها التجارية غير العادلة. غير أن الصراع الأمريكي الصيني يبدو بعيد المدى ومتعدد المجالات.

قبل أيام نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية مقالا مشتركا، فريدا من نوعه، لقادة كل من الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، في إطار ما يعرف بـ«الحوار الأمني الرباعي»، تعهدوا فيه بتحقيق «الأمن والانفتاح والحرية والازدهار» بمنطقة المحيط الهندي- الهادئ.

وبحثت القمة الأولى من نوعها المضي في التحالف، الذي لا يخفي عزمه مواجهة تنامي قوة الصين ونفوذها في المنطقة، وذلك عبر الانتشار العسكري المتزايد في مياهها، ولا سيما في الأجزاء المتنازع عليها. فالهدف الحقيقي للولايات المتحدة بحسب وزير الخارجية الصيني، وانغ بي، هو إقامة ناتو (آخر في) المحيطين الهندي والهادئ عبر إقامة مشاريع مشتركة مع دول المحيطين الهندي والهادئ ضد الصين، وهو ما يشكل خطرا أمنيا كبيرا قي يشعل فتيل أزمة كبيرة في المنطقة.

فهناك توترات بين الهند والصين بسبب نزاع حدودي في منطقة جبال الهيمالايا، وتسعى أمريكا إلى تعزيز تعاونها العسكري مع الهند ليس بهدف التصعيد، وإنما كورقة ضغط من إدارة بايدن قد تليها دعوات للحوار من الطرفين.

بايد 1

عندما بدأت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، كان هنري كسنجر هو المبادر، وبلا شك كان أيضا في صلب الخبر. وبعد أكثرمن نصف قرن تأتي تصريحات كسنجر محذرة أمريكا من أن عدم الوصول لتفاهم مع الصين قد يؤدي بالعالم إلى أزمة تشبه تلك التي كانت قبل الحرب العالمية الأولى في أوروبا.

يبدو أن الأعوام القليلة القادمة ستكون ساخنة جدا، وكل الأسلحة غير التقليدية ستكون متاحة في هذا الصراع، بين واشنطن وبكين. فالصين تؤمن بأسطورة تقول إن القرن الحادي والعشرين سيشهد ظهور الصين كقوة عالمية رئيسية كما تنبأ «ليو مينج فو» وإنها ستثبت فعاليتها ضد أمريكا. هذه الأسطورة ليست عقائد تدعم طموح بكين للتغلب على الميزة العسكرية للعالم الحر ، بل مخطط لنظام عالمي جديد تقوده الصين لاستعادة مجدها التاريخي وأخذ مكان أمريكا كـ«زعيمة عالمية».

ربما يعجبك أيضا