جمود ميداني وحراك سياسي متزايد.. لماذا تراوح الأزمة السورية مكانها؟

بسام عباس

اختتم ويليام رويبوك مقاله بأن الصراع في سوريا شهد اندلاع أعمال عنف لا حصر لها، ومبادرات دبلوماسية دولية متعددة ومتنافسة في كثير من الأحيان وجهود تطبيع ثنائية، ومعركة موازية ومعقدة ضد داعش، والعديد من التطورات والإجراءات الأخرى التي يبدو أنها تبشر بالتغيير والحركة


شهد الصراع في سوريا تطورات كثيرة تبدو كأنها تبشّر بالتغيير، لكن الأحداث المأساوية تؤكد أن الأزمة كما هي.

ويقول نائب الرئيس التنفيذي لمعهد دول الخليج العربي في واشنطن، السفير ويليام رويبوك، في مقال نشره موقع المعهد يوم الاثنين، إنه على مدار الأسابيع الماضية في سوريا، شهدنا أحداثًا تعد بمثابة تذكير بالمأزق الاستراتيجي الأوسع مع استمرار الصراع.

 احترام السيادة والحياد الهادئ

رويبوك، الذي يرأس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في البحرين، لفت إلى أن وزير الخارجية العماني، بدر بن حمد البوسعيدي، التقى الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، 31 يناير الماضي 2022، في أحدث زيارة لمسؤول عماني إلى العاصمة السورية منذ بدء الأزمة قبل 10 سنوات، في سلسلة زيارات على المستوى الوزاري.

ويرى الدبلوماسي الأمريكي أن الزيارة رمز لتركيز السياسة الخارجية لسلطنة عمان على احترام السيادة والحياد الهادئ، الاتجاه الذي صحّحت دول الخليج الأخرى سياساتها تجاه سوريا على أساسه خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن زيارة البوسعيدي تأتي بعد لقاء وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد مع الأسد في دمشق في نوفمبر 2021. إضافة إلى الإعلان عن اجتماعات بين رئيسي الاستخبارات السعودية والسورية، فضلاً عن عودة سفراء البحرين وعمان والإمارات للعمل من دمشق.

هل نرى تطبيعًا أوسع مع الأسد؟

المقال أشار أيضَا إلى أن عضوية سوريا لا تزال معلقة من جامعة الدول العربية، وأن المعارضة الأمريكية، بدعم من الاتحاد الأوروبي، أعاقت أي تطبيع دبلوماسي أوسع مع دول خارج الخليج، مذكّرًا بفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات تمنع تدفق مساعدات إعادة الإعمار.

كن ذلك لم يمنع وزير إماراتي إلى الإشارة لمكانة بلاده كأهم شريك تجاري عالمي لسوريا، مع بلوغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بينهما نحو 272 مليون دولار. ورغم أن السعودية وقطر ظلت بمعزل عن هذا الجهد الخليجي في التقارب، توقع رويبوك أن يكون انخراط السعودية مع دمشق عاملًا أساسيًّا في دفع دول الخليج الأخرى إلى المزيد من التطبيع.

لماذا لا تتحسن الأمور في سوريا؟

تطرق المقال إلى هجوم تنظيم داعش على سجن الصناعة، الواقع على مشارف مدينة الحسكة في أواخر يناير 2022، في محاولة لتحرير نحو 5 آلاف من عناصره المحتجزين هناك، موضحًا أن الهجوم التطور الثاني على الساحة السورية الذي يشير إلى النمط المستمر لمساعي داعش الحثيثة لتحرير مقاتليه المحتجزين.

كما تناول الغارة التي شنتها قوات العمليات الخاصة الأمريكية في 3 فبراير الحالي، في شمال غرب سوريا، وانتهت بمقتل زعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القريشي، الذي فجر نفسه لتجنب القبض عليه، مضيفًا أن الغارة على قريشي تمثل حلقة أخرى في سلسلة طويلة من جهود القضاء على رأس القيادة التي ستستمر بالتأكيد في شمال غرب وشمال شرق سوريا وفي أماكن أخرى.

واعتبر أن هذه التطورات الجديدة مجتمعة، تذكير صارخ بأنه كلما تغيرت الأمور في سوريا، عادت أكثر إلى بدايتها المأساوية، ففي حين كان هجوم داعش على السجن أخطر اشتباك مع قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأمريكية منذ هزيمة داعش الإقليمية في العام 2019، إلا أنه لا يزال يندرج ضمن النطاق العام لعودة داعش، التي تصدت لها جهود مكافحة الإرهاب.

نمط الركود لا يزال قائمًا

يوضح ويليام رويبوك أن الحراك الدبلوماسي الدولي المتعلق بسوريا صار أكثر تعقيدًا، لكن نفس نمط “العودة إلى المربع الأول” حاضرًا، فالجهود الدبلوماسية بشكل عام لم تحقق تقدمًا منذ بداية الصراع. وبقى الأسد ومعه إرث نظامه، المتمثل من وجهة نظر الكاتب في جرائم الحرب وإراقة الدماء، التي يرى أنها يمكن أن تعرقل أية مبادرة دبلوماسية في الغرب تهدف إلى حل الصراع.

وأضاف أن الموقف الدبلوماسي الخليجي يتضمن 4 عناصر رئيسية، تتمثل في تقييم سياسي واقعي بأن الحرب انتهت بسيطرة الأسد، وانعدام الثقة العميق في الفوضى والجماعات الجهادية وجوانب الدولة الفاشلة التي اتسمت بها الصراع، إضافة إلى التقليل النسبي من أهمية محاسبة الأسد ونظامه على العنف الذي استخدمه لاستعادة السيطرة على البلاد، وأخيراً، تعزيز العلاقات مع سوريا والسعي إلى إعادة دمجها في العالم العربي لمواجهة النفوذ الإيراني.

سياسة بايدن: صبر استراتيجي وعقوبات

انتقل الكاتب إلى السياسة الحالية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في سوريا، قائلاً إن الإدارة تتعامل بتهذيب، مع هذه الدوافع الاستراتيجية الخليجية، مع التأكيد على الحفاظ على وجود القوات الأمريكية في مواجهة داعش، والدعم الإنساني الواسع النطاق، ومساءلة النظام السوري، والمساءلة الصارمة، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية.

وأوضح أن الإجراءات في سجن الصناعة والغارة على زعيم تنظيم داعش، تكشف أن الإدارة الأمريكية ستواصل دعم قوات سوريا الديمقراطية في الحرب ضد عودة تنظيم داعش. مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن عقوبات قانون قيصر تعرقل تدفق مساعدات إعادة الإعمار إلى سوريا، كما أنها تمثل مخاطرة على الاستثمار الخليجي، ولا تزال قضية مساءلة النظام تشكل عائقًا قويًا أمام المزيد من زخم التطبيع.

اختتم ويليام رويبوك مقاله بأن الصراع في سوريا شهد اندلاع أعمال عنف لا حصر لها، ومبادرات دبلوماسية دولية متعددة ومتنافسة في كثير من الأحيان وجهود تطبيع ثنائية، ومعركة موازية ومعقدة ضد داعش، والعديد من التطورات والإجراءات الأخرى التي يبدو أنها تبشر بالتغيير والحركة. إلا أن الحقائق المأساوية المتوقفة تؤكد عودتها إلى الوضع المأساوي من جديد.

ربما يعجبك أيضا