ناشيونال إنترست: بيلاروسيا تستغل ملف الهجرة للضغط على أوروبا

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

لا يزال الاتحاد الأوروبي يعاني من أزمة اللاجئين في عام 2015، والآن يواجه محاولة متجددة لاستخدام تدفق اللاجئين والمهاجرين كسلاح ضده. وبينما تقف بيلاروسيا خلف هذه الأزمة الأخيرة، إلا أن الأزمة ليست إلا جزءًا من أزمة حدود أوروبية يتم التلاعب بها من قوى خارجية.

لأشهر عديدة، كانت هناك زيادة متواصلة في عدد رحلات الركاب المحجوزة بالكامل من بغداد إلى مينسك. شعرت وكالات السفر وشركات الطيران العراقية والبيلاروسية بسعادة لتلبية هذا الطلب المتزايد، لكن هذا التطور ليست طبيعيًّا بالمرة. وردًّا على فرض الاتحاد الأوروبي مزيدًا من العقوبات على بيلاروسيا في الأشهر القليلة الماضية، عبّر الرئيس البيلاروسي “أليكسندر لوكاشينكو” في مايو الماضي، عن نيته إغراق الاتحاد الأوروبي بـ “لاجئين ومخدرات”.

دخل آلاف اللاجئين والمهاجرين منذ ذلك الوقت إلى الاتحاد الأوروبي من بيلاروسيا، بالرغم من الجهود القصوى التي بذلتها سلطات الهجرة الوطنية ووكالة “فرونتيكس”، وكالة الحدود في الاتحاد الأوروبي، للحدّ من تدفق المهاجرين. إن حيلة “لوكاشينكو” هي آخر مثال على استخدام اللاجئين كسلاح سياسي ضد الاتحاد الأوروبي، واستغلال التزام الاتحاد القوي تجاه حقوق اللاجئين.

جاء معظم المهاجرين الذين عبروا أراضي بيلاروسيا من العراق، بينما جاءت البقية من الشرق الأوسط وإفريقيا. بعد الوصول إلى بيلاروسيا، يتم تشجيع هؤلاء على دخول منطقة “شينغين” المعفيّة من التأشيرات في الاتحاد الأوروبي عبر حدود بيلاروسيا مع بولندا ولاتفيا وليتوانيا.

إن وجهة معظم اللاجئين القادمين إلى أوروبا دائمًا تكون إلى دول غرب الاتحاد الأوروبي الأكثر ثراء. لكن الغالبية تأتي أولًا من دول جنوب وشرق الاتحاد الأوروبي الأكثر فقرًا، حيث تكون البنية التحتية هناك أقل جودة، ولا توجد رغبة شعبية لدعم المهاجرين. هم يصلون غالبًا بموارد قليلة، ومهارات لغوية محدودة، ويعتمدون على مساعدات حكومية للبقاء على قيد الحياة.

تصادمت بروكسل قبل ذلك مع بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي بسبب عدد اللاجئين الذين يجب استقبالهم. قاومت دول مجموعة “فيسيغارد” حصص استقبال اللاجئين عقب أزمة اللاجئين في عام 2015، ما أشعل نزاعات متواصلة بينها وبين بقية دول الاتحاد. وبينما جرى السماح لبعض اللاجئين القادمين مؤخرًا بدخول بولندا ولاتفيا وليتوانيا، إلا أنه من المرجح ألا ترغب دول مجموعة “فيسيغارد” في منح هؤلاء لجوءًا دائمًا.

حرص الاتحاد الأوروبي وقادة أوروبيون وطنيون على التقليل من خطر هشاشة أمن الحدود الأوروبية. ومن المتوقع أن تصدر دول الاتحاد الأوروبي بيانًا هذا الأسبوع تظهر فيها تصميمها على منع الهجرة غير الخاضعة للمراقبة من أفغانستان.

لكن مع تزايد تنوع الأساليب المستخدمة لدخول اللاجئين إلى أوروبا (وتصميم دول أخرى على مشاهدة هذا الأمر يحدث) يبدو أنه لا مفر من أن بقاء حدود الاتحاد الأوروبي معرّضة للتهديد.

اعتقلت سلطات الحدود الليتوانية حتى الآن 4.100 آلاف لاجئ يحاولون الدخول إلى ليتوانيا من بيلاروسيا هذا العام، مقارنةً مع 81 لاجئًا في العام الماضي، و46 لاجئًا عام 2019، و104 لاجئين عام 2018. دفعت هذه الزيادة الحكومة الليتوانية لإعلان حالة الطواري في يوليو، كما طلبت الحكومة البولندية رسميًّا من الرئيس البولندي “أندريه دودا” إعلام حالة الطواري أيضًا.

في الأربعاء الماضي، اتهمت دول الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا بتدبير هجوم مباشر عليها، وانتقدت تلك الدول ما تقول إنها محاولات “حرب هجينة” لعقابها. وفي الأسبوع الماضي، أيضًا، أمرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بولندا ولاتفيا بتزويد اللاجئين والمهاجرين على حدودهما بالطعام والماء والملابس والرعاية الطبية ومأوى مؤقت.

ساهمت هذه الأزمة المستمرة بالطبع في تصاعد الانتهازية السياسية والتوترات الاجتماعية. استغل حزب “القانون والعدالة” في بولندا مثلًا الأزمة للترويج للحاجة إلى قوانينه وسياساته الصارمة فيما يخص الهجرة، وذلك بعد أن أثار تدهور شعبيته والشكوك حول سيطرته على البرلمان إمكانية عقد انتخابات مبكرة.

إن العشرات من المهاجرين، يُعتقد أنهم من أفغانستان، عالقون على الحدود البولندية -البيلاروسية منذ أسابيع؛ ما أشعل صدامات بين شرطة الحدود البولندية ونشطاء حقوق لاجئين في نهاية الأسبوع. هناك تقارير أيضًا تشير إلى وقوع أعمال شغب في مركز للاجئين في “بالبراد” في ليتوانيا في يونيو الماضي.

من الواضح أن “لوكاشينكو” لديه سبب للاعتقاد أن نجاحه في إحداث اضطرابات اجتماعية وسياسية سيزوّده بأداة ضغط على الاتحاد الأوروبي. استخدمت تركيا هي الأخرى بصورة متواصلة موقعها كبلد عبور للحصول على تنازلات سياسية ومالية من الاتحاد الأوروبي. قبل سقوط نظامه عام 2011، استخدم الرئيس الليبي “معمر القذافي” تدفق اللاجئين لأسباب مشابهة.

وبالرغم من أن التركيز الأخير كان على بيلاروسيا، غير أن هناك عوامل متعددة تشير إلى تورّط الكرملين في التخطيط لما يحدث. صرّح نائب وزير الخارجية الليتواني “مانتاس أدوميناس” مؤخرًا بأن بعض المهاجرين الذين يحاولون عبور حدود بلاده مع بيلاروسيا هم مواطنون روس. أشار قائد قوات حرس الحدود الليتوانية “ريناتاس بوزيلا” في عام 2017 إلى أن وكالة الاستخبارات الروسية “إف إس بي” تلعب دورًا مهمًا في نقل مهاجرين من روسيا إلى بيلاروسيا ومن ثم إلى ليتوانيا.

إن تسهيل وصول المهاجرين إلى منطقة “شينغين” هو جزء من خطة روسية أكبر للتسبب في اضطرابات اجتماعية في أوروبا، وقد حدث هذا على طول حدود روسيا الكبيرة. وعبر مدينة “كيركينس” الواقعة في أقصى شمال روسيا، ساعدت وكالة الاستخبارات الروسية في تهريب مئات اللاجئين في أسبوع إلى النرويج أثناء أزمة اللاجئين عام 2015. اتهمت الحكومة الفنلندية أيضًا مجموعات إجرامية مدعومة من روسيا عام 2015 بتهريب لاجئين ومهاجرين إلى البلاد.

إن ضعف أنظمة الحدود في الاتحاد الأوروبي، يسمح للكرملين بتصدير شبكات إجرامية تدعمها روسيا إلى أوروبا؛ ما يخلق تحديًا فريدًا لأنظمة إنفاذ القانون والأنظمة القضائية في القارة الأوروبية. وبحسب أجهزة استخباراتية أمريكية وبريطانية وبولندية، فقد دسّ جهاز الاستخبارات الروسي “إس في آر” عددًا من “المهاجرين غير القانونيين” وسط حشود اللاجئين الداخلين إلى أوروبا أثناء أزمة اللاجئين عام 2015. من المعروف الآن أن عددًا من إرهابيي تنظيم داعش قَدِموا إلى أوروبا ضمن موجة اللاجئين عام 2015، وهو دليل إضافي على التهديدات الأمنية المتنوعة المرتبطة بمنطقة “شنيغين”.

لقد أظهرت أزمة أوروبا الحالية كيف أن القارة لا تزال عرضة لعدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية فيما يخص قضية اللاجئين – حتى لو كان المتسبب في هذا هو بلد صغير مثل بيلاروسيا. ستتفاقم هذه المشكلة بسبب تدفق لاجئين جدد من أفغانستان، ولو اتخذت دول الاتحاد الأوروبي خطوات إضافية للحدّ من حرية الحركة في منطقة “شينغين”، فإنها بذلك ستقوّض إحدى ركائز الاتحاد الأوروبي ذاته.

لقراءة النص الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا