تحرش إيراني بالسفن الأمريكية.. لماذا تصمت واشنطن؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

في حادث هو الأول من نوعه منذ عام، البحرية الأمريكية تقول إن قطعا بحرية تابعة للحرس الثوري الإيراني اقتربت بشكل «عدواني» من سفينتين أمريكيتين في مياه الخليج في وقت سابق من هذا الشهر، تحديدا في 2 أبريل/ نيسان الجاري، بالوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة وإيران أنهما ستجريان مفاوضات في فيينا لإنقاذ الاتفاق النووي لعام 2015، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال».

منسوب التوتر بين البلدين في تزايد منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم مع إيران وأعادت فرض عقوبات على ملالي إيران في 2018. وتصاعدت مع اغتيال واشنطن للقيادي في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني بضربة نفذتها طائرة مسيرة في بغداد في كانون الثاني/ يناير.

iran 2

استفزاز خطير ودوافع غامضة

ثلاثة زوارق سريعة تعود لوحدة خفر السواحل التابعة للحرس الثوري اقتربت لمسافة أقل من 65 متراً من السفينة «يو إس إس فايربولت» التابعة للبحرية الأمريكية ومن السفينة «بارانوف» التابعة لخفر السواحل الأمريكية، بحسب البيان الذي نشر على موقع البحرية.

وأشار البيان إلى أن الطواقم الأمريكية وجهت إنذارات شفهية عدة للطواقم الإيرانية عبر أجهزة اللاسلكي ومكبرات الصوت لكنّ الزوارق الإيرانية واصلت مناوراتها، ما دفع بطاقم السفينة «فايربولت» إلى إطلاق طلقات تحذيرية. ويضيف البيان أن زوارق الحرس الثوري ابتعدت بعد ذلك.

بحسب البحرية الأمريكية فإن السفينتين الأمريكيتين كانتا تسيّران دوريات روتينية في المياه الدولية، في ثان حادث بين البحرية الأمريكية وسفن إيرانية منذ بداية العام، ولكنها المرة الأولى منذ عام 2017 التي تطلق فيها البحرية الأمريكية طلقات تحذيرية.

ويشير البيان إلى أن دوافع اقتراب زوارق الحرس الثوري من السفينتين «غير واضحة»، ويذكر بمهنية البحرية الأمريكية “العالية” وحقها باللجوء إلى إجراءات دفاعية في وقت الضرورة. ووقعت أحداث مماثلة عدة في مياه الخليج قرب مضيق هرمز الاستراتيجي في الأعوام الماضية كادت تؤدي إلى مواجهات أشمل بين الطرفين.

هل يصمت الأمريكان؟

في سياق التحرش الإيراني بالسُفن الأمريكية، والذي اعتبرته أمريكا أمرًا استفزازيا وخطيرًا، ربما يعيدنا هذا المشهد، لموقف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أثناء عهدته الترامبية، إثر تحرش مماثل من قبل بحرية نظام الملالي لسفن بلاده، أصدر خلاله تعليمات للبحرية الأمريكية بتدمير أي زوارق حربية إيرانية إذا تحرشت بسفن بلاده في البحر.

ترامب بدا سعيدا بفوزه في معركته ضد الإيرانيين، عندما غرد متفاخرا بعدم وقوع أي حادثة تحرش بسفن بلاده في العام 2018 مقارنة بالأعوام الذي سبقته، والتي أظهرت جرأة كبيرة من قبل الإيرانيين تجاه القطع الحربية الأمريكية في الخليج العربي، لا سيما بعد إعلان طهران نجاحها بإطلاق أول قمر صناعي عسكري للفضاء، ووصوله لمداره على مسافة 425 كم.

ترامب

تغريدة ترامب الشهيرة جاءت بعد ١١ يوما من تحرش القوارب الإيرانية بالسفن الأمريكية، لكنها جاءت بعد نصف ساعة فقط من تقرير على محطة «فوكس نيوز» ينتقد التحرش الإيراني وعدم وجود رد فعل أمريكي.

اعتبار أن إيران تهدد الولايات المتحدة وحلفائها بسلوكيات عدوانية زادت بعد خطة العمل الشاملة المشتركة المبرمة معها 2015، من ذلك التحرش بالسفن الأمريكية، وهو ما تمكن ترامب من وضع حد له من خلال فرض عقوبات صارمة على نظام الملالي والرد بقسوة على استفزازاته في الميدان سواء في البر أو في البحر أو عبر أذرعها المنتشرة في المنطقة ما بين العراق وسوريا ولبنان واليمن.

الكلام الكثير لن يجدي إيران، الرجل كلامه كان واضحا: أي قارب إيراني يتحرش بالسفن الأمريكية سيدمر. تعودنا من إيران التحرش بالسفن الأمريكية واستعراض عضلاتها .

السؤال: ما الذي تغير في البيت الأبيض، جعل إيران تتجرأ من جديد بتهديد سفنها الحربية في الخليج العربي؟

إيران والقوى الدولية التي لا تزال منضوية في «خطة العمل الشاملة المشتركة» تجري مباحثات منذ مطلع نيسان/أبريل الجاري بهدف عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الذي انسحبت منه أحادياً عام 2018 ورفع العقوبات التي أعادت فرضها على طهران، في مقابل عودة نظام الملالي إلى احترام كامل التزاماتها النووية.

بدا الانبطاح الأمريكي تجاه إيران واضحا منذ تولي الرئيس جو بايدن مقاليد الحكم في البيت الأبيض، والتصريحات المتكررة برغبة واشنطن في العودة للاتفاق النووي، وسلوك طريق الدبلوماسية بدلا من العقوبات التي انتهجها سلفه دونالد ترامب، والتي نجحت بشكل كبير في تقليم أظافر ملالي إيران.

موقف واشنطن قوبل بغضب إسرائيلي، دفع تل أبيب بإرسال وفدا لها لواشنطن في محاولة منها للتأثير على نية أو رغبة الإدارة الأمريكي بالعودة للاتفاق النووي مع إيران، لا سيما مع دخول المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران في فيينا مراحل حرجة، وهو ما بدا واضحا من إجابة المتحدثة باسم البيت الأبيض، على سؤال بهذا الشأن، حيث قالت إن استمرار محادثات فيينا هو عامل مشجع رغم وجود تحديات، وبأن إسرائيل على إطلاع بنوايا الإدارة، وهو ما أكده موقع «والا» العبري الذي تحدث عن تزايد الشكوك والخلافات بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة بايدن بشأن سياستها تجاه طهران، وفقًا للمحادثات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين.

بايدن 2

تخبط إدارة بايدن

لا يختلف اثنان، على أن إدارة الرئيس بايدن تجاه العديد من الملفات الخارجية، تبدو متخبطة يشوبها اللبس وعدم الوضوح، وهو ما أعطى الفرصة لروسيا والصين لتوسيع نفوذهما بالمنطقة، وهو ما عبر عنه قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكينزي، قبل أيام، خلال جلسة استماع قدمها أمام لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الأمريكي، بالقول إن روسيا تسعى مع الصين لتوسيع نفوذهما على حساب النفوذ الأمريكي، محذرا كذلك من الخطر الإيراني: «إيران تسعى للهيمنة على المنطقة».

بينما تقوم ميلشيات إيران بقصف مقرات أمريكا وقواعدها العسكرية في العراق، ترد أمريكا بتصريحات خجولة، وبقصف يتيم لتلك الميلشيات كانت أضراره مادية وليست بشرية، وجاء في إطار التحذير ليس أكثر.

في الملف السوري، ورغم سريان العقوبات الاقتصادية على نظام الأسد، والتأكيد على عدم الاعتراف بشرعية أي انتخابات لا تخضع للقرار الدولي 2254، المتعلق بالعملية السياسية السورية، فإنها لم تتخذ خطوات قوية ضد خرق ملالي إيران للعقوبات المفروضة عليها وعلى الأسد بمدّ الأخير بالنفط.

والسؤال: هل هذا هو الوقت المناسب لتغيير نهج واشنطن وحلفائها الغربيين تجاه إيران، والتخلي عن سياسة العقوبات والضغوط الاقتصادية لصالح الدبلوماسية التي أثبتت فشلها مرارا مع نظام الملالي لردعه عن طموحاته النووية وتهديده أمن واستقرار المنطقة عبر أذرعه المنتشرة في دول المنطقة وتنفذ أجندتها؟

ربما يعجبك أيضا